مقدمة:
تستشرف نشرة (رسالة الحسين) في
هذا العدد آفاق العمل المشترك وتسلط الضوء على إشكالية التحزب وأهمية دور
المصلحين وذلك من خلال الحوار مع آية الله السيد حسين المدرسي وسماحة
العلامة الشيخ سعيد الحرز
رسالة
الحسين : في الظل التنوع الذي نشهده في الوسط الشيعي على المستوى المرجعي
أو الاجتماعي أو السياسي، كيف يمكن أن يتحول هذا التنوع إلى عامل بناء
بدلاً من أن يكون عامل هدم؟
السيد المدرسي :
أولا .. أن نوجد النظرة الإيجابية لدى الناس تجاه هذا التنوع لاختلاف
الأذواق والعقول حتى في الأسرة الواحدة ، المشكلة أن يتحول هذا التنوع إلى
تضاد وفتنة ونزاع ، فإذا كانت نظرة المجتمع إيجابية لمؤسسات المجتمع
المدني كما هي في المجتمعات المتقدمة سيوجد قواسم مشتركة لحل الاختلافات.
ثانيا
.. الشخصيات التي في قمة الهرم الديني ومن يحوم حولها يجب أن يكونوا
بالمستوى المطلوب في إدارة الأمور وأن يتحلوا بالحكمة وسعة الصدر ويتجنبوا
الصدامات وإثارة الخلافات في الوسط المتدين .
ثالثا
.. المجتمع -وخاصة الأوساط المتدينة- يجب أن يقوم بدوره المطلوب بالتعايش
السلمي ولا يتم ذلك إلا إذا عرف كل مقلـِّد أنه كما له شرعيته التي
يستمدها من مرجعه فالآخر له شرعيته أيضا من مرجعه مادام مرجعه متحقق فيه
الشروط التي ألزمها الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في
الرواية المعروفة (من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا
لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلدوه) ، وهذه الشرعية تشبه شرعية
الأطباء والمهندسين وغيرهم .
الشيخ الحرز: لم يكن التنوع يوماً ما ظاهرةً سلبيةً أو ايجابية في
حد ذاته وإنما محكوم بطريقة نظرتنا إلى هذا التنوع، إننا هنا نتكلم عن
التنوع الفكري والمرجعي والاجتماعي ضمن المفاهيم المتسالمة والسلوكيات
المشروعة ومادام الحديث هنا عن هذا التنوع فإننا نقول إن هذا التنوع يرقى
من مستوى القبول عندنا إلى مستوى الحاجة لنا ، بمعنى أنه ينبغي إدراك أن
التنوع هو حاجه مهمة لمجتمعنا أكثر مما هو حالة يجدر القبول بها، من هنا
توجب علينا تغيير نظرتنا له لنكون أسرع استجابة وأكثر إيجابية.
رسالة الحسين : كيف تنظرون إلى ظاهرة التحزّب في الوسط الديني؟ وما هي القيم الدينية التي تعالج هذه الظاهرة؟
السيد المدرسي :
إذا كان التحزب بمعنى التجمع على أمر خير وعمل إسلامي من باب (وتعاونوا
على البر والتقوى) كان هذا العمل مبارك ، بل أمر الله المؤمنين بالتجمع
والتعاون حول القيم العليا (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ،
والآية تدعوا المؤمنين للتجمع والتكتل في سبيل تطبيق الأوامر الشرعية التي
بحاجة إلى تظافر الجهود (يد الله مع الجماعة) ، أما بشرط أن لا يكون تحزبا
سلبيا بأن يكون عامل تفرقة في المجتمع ، فلا نهدم بناءا مهما في المجتمع
من أجل بناء أصغر ، فهذا مرفوض في الإسلام لأن الباري يقول (ولا تعاونوا
على الإثم والعدوان) فإذا صار التحزب باب لنشر العداوات وإثارة النعرات
الضيقة فهو يدخل من باب العدوان ، وهذا الأمر ليس خاص بالعمل الديني بل
يشمل أي تجمع يبغي التعدي ونشر المفاسد والآثام .
الشيخ الحرز: إن الوعي الذي يملكه الفرد أو المجتمع هو الكفيل بمعالجه الآثار السلبية لهذه الظاهرة ، المشكلة غياب منظومة القيم عندنا بحيث نرى الشخص يمارس القيمة الدينية في إطاره فإذا خرج إلى الأطر الأخرى مارس دوراً مغايراً.
إن القيم الدينية والأخلاقية لا يمكن أن تتجزأ أو تتبعض، المشكلة إننا كثيراً ما نمارس النقد على الآخرين ونخص أنفسنا بالمثل العليا والقيم السامية، أما الآخرون فنمارس عليهم دوراً مختلفاً.
إنني
أرى المشكلة لا تكمن في غياب القيم للمتدينين فهم يدركونها ويدرسونها ليلا
نهارا ، ولكن المشكلة هي كيف تتم تلك المدارسة ؟ و وفق أي منظومة ؟ إننا
نرى في أكثر الأحيان يتم التعاطي معها دون رؤية متكاملة وبلا منظومة متسقة
لكي تشمل الذات كما تشمل الآخر.
رسالة
الحسين : تمثل الشعائر الحسينية مرتكزا هاما في إطار إحياء أمر أهل البيت
(عليهم السلام) ، فكيف يمكن توظيف الرمز الحسيني لرفد عزة الطائفة ووحدتها
؟ وكيف يمكن استثمار العاطفة الشيعية في الحفاظ على روح التلاحم ؟
السيد المدرسي :
في الحقيقة أن المناسبات الدينية خصوصاً المناسبات العاطفية الجياشة هي
أفضل فرصة تمنح القائمين بها فرصة ذهبية في وتوظيفها لرفد عزة الطائفة
ووحدتها وذلك باستثمار العاطفة الشيعية في الحفاظ على روح الأخوة وهذا لا
يتحقق إلا بتوطيد العلاقات الاجتماعية بين شرائح المجتمع وتذويب الكدورات
العالقة في القلوب، ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك ؟؟
يمكن
تحقيق هذا الأمر إذا أوجدنا الآليات اللازمة لإنجاز هذه المهمة ولكن
السؤال ما هي تلك الآليات؟! ، لاشك أن أهم الآليات لتحقيق هذه المهمة
ترتبط في تشكيل نخبة من الشخصيات الدينية والواجهات الاجتماعية للقيام
بالاتصالات المكثفة بين مختلف التجمعات الإسلامية لتحقيق مؤتمر مصغر لبحث
القضايا الساخنة التي تسببت في قطع العلاقات بين الأخوة في محاولة لحلحلة
الخلافات و النـزاعات كخطوة أولى حتى يستطيع هذا المؤتمر المصغر أن يمهد
الطريق إلى تشكيل مؤتمر موسع يضم كافة الشرائح الاجتماعية و التجمعات و
الأحزاب لوضع حد للخلافات القائمة من جهة ووضع سدود أمام أي خلافات يمكن
أن تنشب في جهة ثانية مادام الجميع تربطهم أوامر الدين والمذهب ، وطبعاً
لا ينبثق هذا المؤتمر إلا بضغط اجتماعي متواصل من الناس على الأحزاب و
التجمعات بهدف تذليل الخلافات فيما بينهم ووضع حد لنـزاعاتهم وصراعاتهم
والتي تنشب أكثر بسبب وساوس شياطين الأنس و الجن.
ومن
الواضح أن المجتمع إنما يستطيع أن يقوم بهذا الدور إذا كان واعياً ومثقفاً
وإلا لكان هو بدوره حطباً لهذه الخلافات والنزاعات الجوفاء، من هنا ندرك
أهمية إحياء هذه المناسبات الدينية والشعائر الحسينية التي تستطيع أن تقدم
للمجتمع الوعي اللازم لكل قضايا الأمة و احتياجاتها وتعطي ثقافة أهل البيت
علهم السلام للناس وتجعلهم في بوتقة الوحدة والأخوة وترشد إلى كيفية
التضحية في سبيل المبادئ و الأهداف السامية لأهل البيت الذين قدموا كل غال
ورخيص من اجل الله لإنقاذ الأمة من ظلمات الجهل وحيرة الضلالة.
فكيف لا نضحي نحن في سبيل أهدافهم السامية ؟.
رسالة الحسين : ما هي قيم العمل المشترك التي يمكن استلهامها من النهضة الحسينية؟
الشيخ الحرز:
القيم الحسينية هي نفسها قيم الدين الإسلامي ولكن في أجلّ صورها وأعمق
معانيها، إن كربلاء ونهضة الحسين (عليه السلام) لا يمكن حصرها في بعض
المفردات كقيمة البطولة والفداء والتضحية والإباء والنصرة والكرامة، نعم
هي متجلية فيها ولكن نهضة الحسين (عليه السلام) مدرسة متكاملة القيم
مترامية المناقب لها في كل زمن فيض جديد من المفاهيم ، ولهذا فهي ملجؤنا
في هذا الوقت لقيم التسامح مع الآخرين، ولهدم فرض القناعات عليهم والنظرة إلى المصلحة العليا للإسلام التي من أجلها يهون كل شيء، كما تتجلى فيها قيم التفاضل الحقيقية، وهي النية الصادقة والعمل الخالص لا التحزب ولا العرق ولا اللون بل القيم الإنسانية النبيلة التي هي في متناول الجميع أخذاً وتركاً.
رسالة
الحسين : في خضم زحمة العمل والتنافس الاجتماعي في الساحة تحدث بعض الشروخ
والخلافات بين الجماعات العاملة، ومن خلال التجربة التاريخية لمجتمعاتنا
فإن الخلافات الصغيرة تتحول إلى صراعات كبيرة، والسؤال: أين دور المصلحين
في مثل هذه الأحوال؟ ولماذا تفتقر الساحة والجماعات العاملة إلى أرضية
قبول الإصلاح في الوقت الذي يعتبر الإصلاح إحدى المسؤوليات الأساسية
بالنسبة للمؤمن؟
السيد المدرسي :
إذا نظرنا إلى روايات الرسول وأهل بيته الأطهار في موضوع الإصلاح فنرى
أنها تؤكد على ضرورة وجود المصلحين في كل فئة ومجتمع ليقوموا بمهمة إخماد
الفتن في مهدها ، وجعل الله لهؤلاء أجر عظيم يعادل كل أعمالهم العبادية
(إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصيام) ، والحديث يعطي زخما كبيرا
لجميع المؤمنين للقيام بدور الإصلاح حتى لو أدى هذا الدور لمشاكل للمصلح
فإنها تعظـّم الأجر ، ومن غير الصحيح أن يتراجع المصلح عن المهمة بسببٍ أو
آخر لأن الوصول لهذا الأجر لا يتم إلا بالقيام بهذه المهمة .
الشيخ الحرز:
إننا في حاجه إلى الجرأة في الحق نستلهمها من شخصية الإمام الحسين (عليه
السلام) ، هذه الجرأة التي تضحّي بالمصلحة الشخصية أو بمصلحة الجماعة من
أجل الصالح العام وإصلاح ذات البين، إننا بحاجه إلى شجاعة يتمكن منها
أصحاب النوايا الصادقة من المبادرة والسعي. أما أرضية القبول للإصلاح فهي
منوطة بالأشخاص ومدى ارتباطهم بمختلف المجاميع الاجتماعية كما هي مرتبطة
بمدى ما يملكون من مصداقية ، فكلما كان المبادرون أصحاب إرتباطات واسعة
وتداخلات مع جميع الأطراف مع مصداقية فإنهم سيتمكنون من الإصلاح.
-------------------
المصدر : نشرة (شمس المنتدي) الموسمية التي يصدرها منتدى القرآن الكريم
عدد المساهمات
تاريخ التسجيل
العمر
الموقع
